هل هناك تقابل بين العلم والدين
أخبرنا الدكتور جمال عفيفي (أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بالقاهرة جامعة الأزهر) وكنا نتناقش حول (دعوى التقابل بين العلم والدين) فقال: لو أردنا أن نناقش هذه القضية فلابد أن نقول إن العقل حين يحكم في هذه القضية فإن هناك احتمالين:
الأول: أن يقول العقل بضرورة الفصل بين الدين والعلم وترجيح أي منهما على الآخر.
الثاني: أن يقول العقل بضرورة الربط بين الدين والعلم على أن تكون الأولوية لأحدهما على الآخر.
وبالنظر نجد أن كل احتمال منهما يتفرع إلى فرعين:
الاحتمال الأول: أن يقول العقل بضرورة الفصل بين الدين والعلم وترجيح أي منهما على الآخر.
- 1- الاعتماد على العلم واستبعاد الدين
نرد عليهم: لو أننا اتبعنا العلم واستبعدنا الدين سيؤدي ذلك إلى إلغاء الجانب الروحي والتركيز على الجانب المادي مما يؤدي إلى خلل كبير ؛ لأن الإنسان مكون من روح ومادة ولكل منهما متطلباته الضرورية التي لا يستغني عنها.كما أننا نجد الدول المسيطرة مع تطبيقها لهذا الاحتمال وصلت إلى واقع مرير، حيث أصبح العالم عندهم أداة لتدمير الكون والإنسان، فالعلم بغير الأخلاق والدين ضرره أكثر من نفعه.وهذا واقع الدول التي اعتمدت على العلم دون الدين.
- 2- الاعتماد على الدين وترك العلم
نرد وعليهم: إن أوروبا في عصورها الوسطى مرت بهذه التجربة فأدى بها إلى أن عاشوا في عصور الظلام وتخلفوا عن ركب الحضارة، ومن هنا نلاحظ أن هذا الاحتمال مرفوض وقد أكد على فشله الواقع.
الاحتمال الثاني: أن يقول العقل بضرورة الربط بين الدين والعلم على أن تكون الأولوية لأحدهما على الآخر.
- 1- تقديم العلم على الدين وجعل الدين خادما للعلم
إن هذا الاحتمال فيه خطر كبير على الدين؛ لأن الدين الصحيح هو وحي من عند الله لا يقبل التبديل أو التحريف فهو معصوم من الخطأ، فلو جاءت نظرية علمية تخالف ما نص عليه الدين يحرف الدين بسبب النظرية، وقد يتم إثبات خطأ النظرية فيما بعد فيتم تعديل الدين مرة أخرى، ولا يصح ان يكون الدين متغير.
- 2- تقديم الدين على العلم وجعلوا العلم خادماً للدين
هذا هو الصحيح. لأن الدين جاء بمنهج متكامل من عند الله، ولأن البشرية عندما جربت هذا الاحتمال في العصور الأولى للإسلام استطاعوا أن يقيم حضارة شهد لها حتى الأعداء، وتقدموا فكريا وارتقوا.وهذا يؤكد عدم وجود تقابل بين الدين والعلم وهو يترجح على ما سواه.
ملحوظة: لابد أن يكون للعلم سور واقي له يحميه من الزلل وهذا السور هو التمسك بالأخلاق الصحيحة المستمدة من الدين الصحيح، وأن الكون كله لله فلا ينبغي علينا أن نهدر هذه الموارد التي منحنا الله إياها أو نستعملها في غير موضعها الصحيح أو لإهلاك البشرية، ولا يمنع من ذلك إلا الدين الصحيح.
القرآن الكريم والسنة النبوية يحثان على العلم
- القران الكريم
فضل الله صاحب العلم وقدمه على غيره ﴿قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [1] ، وكذلك أشهدهم مع ملائكته ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾[2] ، ورفعهم درجات ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[3] ، وقال عز وجل إن أهل العلم أكثر من يخشاه ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[4] ، ونهى أن يتحدث الناس بغير علم ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[5] ، ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[6] ، ﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾[7] وغير ذلك من الآيات حول فضل أهل العلم ، وليس المقصود العلم الشرعي وحسب ، ولكن العلوم التجريبية داخلة تحت إطار عموم النص القرآني.
- السنة النبوية.
ثانياً: حدث النبي صلى الله عليه وسلم عن حقارة الدنيا إذا خلت من ذكر الله أو العلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إن الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكرُ الله، وما والاه، وعالمٌ أو متعلمٌ»[8]
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلمَ انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلمَ بقَبْض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهَّالًا، فسُئلوا فأفتَوا بغير علمٍ؛ فضلُّوا وأضلوا»[9]
- وكذلك قول السلف
حرص السلف على طلب العلم فعن نافع قال: “سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : “اللهم بارك لأمتي في بكورها” ، فقال : “في طلب العلم والصف الأول”[10]
وقد نقل ابن مفلح المقدسي رحمه الله في ذلك عجائبَ من حرص السلف على مجالس العلم، فقال: “قال جعفر بن درستويه: كنا نأخذ المجلس في مجلس علي بن المديني وقت العصر، اليوم لمجلس غد، فنقعد طول الليل
وقال الإمام أحمد سمعت وكيعاً : ” قالت أم سفيان لسفيان اذهب فاطلب العلم حتى أعولك أنا بمغزلي ، فإذا كتبت عدد أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة فاتبعه وإلا فلا تتعنى”[11]
- شهادة الغرب
إن الإسلام حث على العلم يقول العالم الألماني (أشبره نكر) : ” إن الدنيا لم تر ولن ترى أمة ًمثل المسلمين ! فقد د ُرس بفضل علم الرجال الذى أوجدوه حياة نصف مليون رجل “[12]
ويقول ريتشارد كوك (وهو عالم أوروبي غير مسلم)، حول دور العرب فـي الأندلس: ((تدين أوروبا بالشيء الكثير لإسبانيا العربية، إذ حملت قرطبة مصباح العلم وضـاء في زمان كان العلم فيه في بلدان أوروبية خافتاً كبصيص نـار مختنـق، إن التطـور الخلاق الذي استطاع أن يقيم صرحاً كالحمراء، ويبني مسجداً للعبادة كجامع قرطبـة، نما يعطينا مثلاً للفارق البعيد، بين هؤلاء والهمجية الطليقة التي كـان يتـردى فيهـا الفرنجة والنورمان، بما فيها من غليظ الأخلاق وفظاظة المزاج، والميل الشديد نحـو خشونة العيش، ولقد استطاع نظام الحكم العربي أن يخلق طرازاً مـن المدنيـة كـان نسيجاً وحده في أوروبا، حتى لقد هُيأ لإسبانيا أن تكون الدولة الوحيدة في أوروبا، التي أفلتت من عصور الظلام))[13]
أما المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه فقد اعترفت بفضل عرب الأندلس على النهضة الأوروبية إذ تقول: ((ولم يبدأ ازدهار الغرب ونهضته إلا حين بدأ احتكاكـه بـالعرب سياسـياً وعلميـاً وتجارياً.واستيقظ الفكر الأوروبي على قدوم العلوم والآداب والفنون العربية من سباته، الذي دام قروناً ليصبح أكثر غنى ،وجمالاً وأوفر صحة وسعادة)) [14]
وتقول البريطانية الباحثة في الأديان (كارين أرمسترونج) ” تكوِّن الأحاديث النبوية مع القرآن أصول الشريعة الإسلامية، كما أصبحت أيضاً أساساً للحياة اليومية والروحية لكل مسلم. فقد علَّمت السنَّة المسلمين محاكاة أسلوب محمد في الكلام، والأكل، والحب، والاغتسال، والعبادة، لدرجة يعيدون معها إنتاج حياة النبي محمد على الأرض في أدق تفاصيل حياتهم اليومية بأسلوب واقعي “[15]
- أثر علماء الإسلام في نشر العلم
لعلماء الإسلام أثر كبير في نشر العلم في أوروبا وعلماء الإسلام هم من دفع أروبا للتقدم العلم والقرن الثاني عشر الميلادي وأوائل القرن الثالث عشر أكبر دليل على ذلك حيث أعطت حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية الدفع الضروري لنمو العلم الأوروبي.[16]
ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون “الجنرال الفرنسي الأشهر نابليون بونابرت عند عودته إلى بلاده فرنسا راجعًا من مصر سنة 1801، أخذ معه كتاب فقهي في شرح مذهب الإمام مالك بن أنس اسمه “شرح الدردير على متن خليل”[17]
ويقول لين بول: “فكانت أوروبا الأمية تزخر بالجهل والحرمان ، بينما كانت الأندلس تحمل إمامة العلم ، وراية الثقافة في العالم”.[18]
ويقول مؤرخ العلوم الألماني توماس غولدستاين: وسع الإسلام معرفتنا بالفضاء ، وسماؤنا الليلية مرصعة بنجوم تحمل أسماء عربية ، مثل (المئزر -Mizar- ، والقرّ -Alcor- ، والدبران -ALDABARAN- ، وبيت الجوزاء -Betelgeuse-) وهي شهود سماوية على تمحيص الراصدين المسلمين منذ ألف عام.[19]
وقال الفيلسوف اللا ديني بنتراند راسل: في عهد العصور الوسيطة المظلمة ، كان المسلمون هم الدين يقومون بمهمة التقاليد الحضارية ، أما المسيحيون من أمثال روجر بيكون ، فقد اكتسبوا منهم طرائق المعرفة العلمية التي ستحوزها العصور اللاحقة.[20]
المصادر
[1] – ٢٤٧ البقرة
[2] – ١٨ آل عمران
[3] – المجادلة: 11
[4] – فاطر: 28
[5] – 143 الأنعام
[6] – 144 الأنعام
[7] – 43 الرعد
[8] – رواه الترمذي (2322) وقال: حسن غريب، وابن ماجه (4112)، وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع: (1609)، والصحيحة: (2797).
[9] – رواه البخاري، بابٌ: كيف يُقبَض العلم؟ (100) واللفظ له، ومسلم، باب رفع العلم وقبضه رقم (2673).
[10] – أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي : 1/150 برقم (189) بسنده إلى أبي بكر محمد العسكري
[11] – أداب الإملاء والاستملاء / تأليف أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني / دراسة وتحقيق أحمد محمد عبدالرحمن محمد محمود صفحة (444) رقم(322)
[12] – العالم الألماني (أشبره نكر) في مقدمة كتاب (صانه) – طبعة كالكوتا ، ونقلا ًعن الشيخ (مصطفى صبري) في كتاب (موقف العقل والعلم والعالم 4/59)
[13] – اسم الكاتب / سعيد عبد الفتاح عاشور / اسم الكتاب: (حضارة ونظم أوروبا في العصور الوسطى) ، بيـروت، تاريخ النشر ١٩٧٦ صفحة (288)
[14] – بحث إعداد/ سهيل زكار وشكران خربوطلي عنوان البحث (الحضارة العربية الإسلامية) جامعـة دمـشق، 2005 – 2006 / صفحة (10)
[15] – اسم المؤلفة : كارين أرمسترونج / اسم الكتاب: ( سيرة النبي محمد) / ص( 388 ) / ترجمة د. فاطمة نصر : د. محمد عناني 1998م شركة صحارى : كتاب سطور
[16] – دونالد روتليدح هيل / العلوم الهندسية في الحضارة الإسلامية / ص 188
[17] – غوستاف لوبون / كتاب (حضارة العرب)
[18] – لين بول / كتاب (العرب في أسبانيا)
[19] – وثائقي تحت عنوان (كيف صنع الإسلام العالم الحديث.. علماء منسيون من الحضارة الإسلامية) / قناة: رسوخ / الدقيقة (01:00)
[20] – وثائقي تحت عنوان (كيف صنع الإسلام العالم الحديث.. علماء منسيون من الحضارة الإسلامية) / قناة: رسوخ / الدقيقة (09:10)